الأربعاء , أكتوبر 30 2024

الناقد جهاد ايوب:”فيلم تجاري” اضحكنا وتلمسنا مواهب واعدة وولادة مخرج وتحية من نجوم إلى الشباب!

بقلم/ جهاد أيوب

حينما نتعاطف مع المواهب الشابة لا يعني أن لا ننصحهم، أو لا نشير إلى أخطاء وقعوا بها في باكورة انتاجهم، ربما مباشرة مع توجيهات، وهذا جيد علاجياً، ومن ثم كتابة بعض الملاحظات مع نصائح، وهذا من أجل الدعم المعنوي والفني، والحياة مع الموهبة للجميع وليست حكراً على أحد، وأجيال تسلم الراية إلى أجيال، المهم أن لا نرتجل بالفن أو نستسهله، وأن لا نلغي أُسس اللعبة بحجة نحن نرفض الأصول وشباب يؤمن بالرفض، والأهم من كل ذلك، وهنا بيت القصيد أن نتعلم من غيرنا، وأن نستشير أهل الخبرة والرأي، والأجمل أن نتعلم من كيس غيرنا ومشواره، وأن لا نشن أقلامنا والسنتنا بالتجريح لمجرد بدايات الشباب، علينا أن ندعم هذا الشباب إذا تلمسنا التغيير والجهود وقلق العمل والموهبة…نعم لهذا الشباب نظرته وتطلعاته ورفضه وجنونه ومساحة ينطلق منها حتى يستحقها أو يرسب فيخرُج أو يُخرج!
هذه المقدمة المتواضعة ليست تنظيرية بقدر ما أؤمن بها، وأقوم فعلياً بممارستها دعماً لتجارب هذا الجيل الشبابي الذي يخوض في الفن السابع ضمن دائرة ضيقة وخانقة وصعبة، وهذا لا يعني أن لا يحاسب أو يوجه أو ينتقد!

#الفيلم
منذ أيام تم افتتاح العرض الأول ل “فيلم تجاري” في
GRAND CINEMAS, ABC VERDUN
ومن طريقة الاستقبال وكثافة الحضور العائلي والفني والاصدقاء تُدرك أن التجربة شبابية، وقد تكون الأولى لغالبية المشاركين في العمل …الصالة ممتلئة بالجمهور، وانطلق الفيلم حيث خضنا 150 دقيقة متابعة، ضحكنا، وانتظرنا ما سيحدث، وتلمسنا فوراً وجود مخرج واعد بامتياز، وصورة نظيفة وفيها قراءة للمشهد وللحوار، ومؤثرات مستخدمة بذكاء، وفكرة ليست جديدة على السينما، ولكنها عولجت بهضامة ورشاقة وخفة دم تمثيلي وحواري هو الذي جعلنا نكمل هذا التطويل من فيلم كان بالإمكان اختزاله بكل بساطة إلى 100 دقيقة وافية وكافية دون أن يؤثر على قيمة الفكرة والغاية والمعنى!
ولا أدري الغاية من اقحام فيلم آخر بجزئين وباعتماد شكل عنف الدماء على حساب الفيلم الرئيسي المهضوم والعفوي دون تصنع، ولو استشار المخرج أهل العلم لكان اجتزأ من (فيلمه التجاري المقحم كما يشتهي الجمهور) بعض المشاهد المعبرة عن المقصود من انتقاد كيفية صناعة فيلم المقاولات، ويعتمد على اللحم الرخيص والاكشن غير المدروس ونوعية اختيار الابطال لهكذا تجارة كما رغب المخرج أن يوصلها لنا، وكما أراد المؤلف ان ينتقد ويقول، فالسهم والنقد والانتقاد واللطشات لهكذا نوعية وصلت، ولكن كان الأفضل أن لا تصل على حساب الفكرة الفيلم الأساسي!
كما أن مشاهد الذهاب إلى الخياط لشراء قطعة قماش للرسم، ومن ثم النجار ” صانع البراويز” لتنفيذ البرواز البديل مع إن اللوحة الأساسية في المتحف من دون برواز، وأيضاً مشهد سرقة البرواز ” لم يوفق تنفيذياً”…مشاهد مقحمة وغير مبررة، وتحتاج إلى إعادة إدارة مخرج وتصوير وتمثيل وكتابة…هي الأضعف في الفيلم!

#فيلم تجاري
قدم “فيلم تجاري” وجبة كوميدية جميلة، اضحكتنا ببساطة في زمن من الصعب أن نضحك فيه، وكوميديا هذا الفيلم نظيفة اعتمدت على الموقف والخبرية لا على تهريج وفرض اضحاكنا بحركات بالية لا يزال الفن العربي يتعمدها في الدراما التلفزيونية والسينمائية، ولا اجامل إذا قلت أن الفيلم خلال تمهيد الاحداث الاولى فرض البسمة والمتابعة إلى حين دخلنا بعالم دراكولا!
الفيلم سيناريو وتأليف المميز أحمد خطاب، ومن إخراج الواعد مهدي قنديل، ومن انتاج “مولوتوف فيلمز “، ولهذه الشركة تحية تقدير لكونها تغامر في زمن القحط الفني والوطني والحياتي والسينمائي!
قدم المؤلف عملاً جميلاً رغم تكرار الفكرة” سرقة لوحة” في كثير من الاعمال، ولكن هنا الحوار رشيق، ومكثف بالكوميديا النظيفة، أما النص والحبكة تتطلب قراءة مختلفة كتابياً واخراجياً واختزال لكثير من الأحداث المقحمة في الأجزاء الأخيرة.
ومن الواضح نحن أمام كاتب أحمد خطاب يفهم في صياغة الحوار، وهذه نادراً ما نجدها في دراما الكوميديا، وقد يكون هذا أجمل ما في النص، حواراته رشيقة وتشبهنا وبسيطة وفي مكانها من أجل خدمة الكوميديا…نصيحتنا للكاتب أن لا تضع كل الأفكار في سلة العمل الواحد، والاهتمام بموتيف فكرة، ومن ثم قراءتها بتمعن، ومعالجتها بابعاد درامية مشبعة تصب في خدمة حالة الموتيف الفكرة والشخوص، وهذا فقد في غالبية النص الذي ترجم أمامنا!
المخرج مهدي قنديل، “فيلم تجاري” باكورة أعماله رغم بعض تجاربه القصيرة، ونحن هنا أمام مخرج متمكن من صورته، ويقرأ الكادر بتمعن، ويفهم بزوايا مشهده، وما يتطلب المشهد من إضاءة شريكة في الاخراج، وفي كثير من الأحيان يدير الممثلين بجدية وبمسؤولية، كادراته بمعضمها صحيحة ومتصالحة مع نصه وحواراته، وايضاً هذه الامور اصبحت غائبة عند أسماء كبيرة لا بل اصبحت “علة” في دراما العرب!
واضح ان المخرج مهدي تطلباته كثيرة ومتعبة، ولكنه يدرك ما يريد وما يفعل، ويكفيه انه لم يستغل الشاشة ليقدم مشاهد جن/سية عبيطة مقحمة، أو شهوات مريضة بحجة الشهرة واستقطاب الشباب والجمهور عاوز كدة كما حال الغالبية العربية!
لذلك نحن أمام تجربة واعدة وحاضرة، ولو تخصص في مراحل إثبات حضوره بالكوميديا سيكون له مساحات من التميز والنجاح، فالكوميديا اصبحت مفقودة عند العرب، خاصة في السينما المصرية، وهي حالة من الارتجال والصدفة والاعتماد على الممثل النجم الكوميدي، بينما في ” فيلم تجاري” نحن أمام تجربة اخراجية ثرية الموقف والبصر والتطلعات…
مهدي قنديل مخرج يفقه بلحظة صناعة الضحكة، واستخدام المؤثرات والموسيقى في المكان الصح، والأهم، براعته في إدارة ممثليه الشباب، وهذا ظهر في كثير من المشاهد!

#التمثيل
قبل الحديث عن الممثلين لا بد أن نقدم باقة ورد من الاحترام والتقدير لكل الممثلين النجوم الذين شاركوا وساندوا احلام شباب واعد خاصة برناديت حديب، ومجدي مشموشي، وخالد السيد، وكارول عبود، وسعد حمدان…وغيرهم، فوقفتهم مع الشباب ليست مغامرة، وانتقادهم السلبي ليس بمحله، بل لحضورهم هنا يعني احترام إعطاء الفرصة للشباب، ويكفي انكم كنتم بمستوى الطلة والمساعدة والمساندة!
كما لا أدري عدم عرض أسماء فريق العمل في بداية الفيلم حتى نتعرف على المشاركين خارج الجهد الذي بذلناه لنعرف المشاركين من ممثلين وفنيين، التغيير والتميز لا يكون بتغييب الناس ودورهم، والرهان على جنريك النهاية لا احد يقرأه أو ينتظره!!!
– الفنان أحمد خطاب بدور “المخرج فطين شاهين” الرأس المدبر هضامة، اقناع، وكما لو كان صاحب خبرة في التمثيل، والكاميرا تحبه، ونطقه سليم رغم وضوح اللهجة السورية والفلسطينية، وكان عليه أن يتقن اللهجة اللبنانية أفضل من احساسنا باقحام لهجاته، وعدم تبرير الحالة ليس في مكانه، في الحياة لا مشكلة، ولكن في لعبة الدراما يجب أن نصنع المبرر !
– الفنان محمد نسر بدور “الكاتب جبران صبحي حلمان” حضور جميل جداً، تعبير عن حالات الشخصية تحسب له، متمكن من الجدية والكوميديا في لحظة واحدة، وايضاً الكاميرا تحبه، وهو تفوق بدوره حتى غدى البطل، موهبة تبشر بالكثير، ولديه طاقة تعبيرية بإيماءات وجهه وحركة جسده يحسد عليها، ونأمل أن يستغل جيداً، وانصحه بالمسرح، وبأن يتدرب عن فن الألقاء ومخارج الحروف، وهذا يتطلب جلسة معه!
-الفنانة مونيانا المقهور بدور “الممثلة هيام شاكر “، وجه جميل ومعبر، وطلة ناعمة، ولديها موهبة، ولكن تجسيد دور المرأة اللعوب يتطلب أداء مختلف وأكثر جرأة بمعنى الأداء التعبيري واستخدام الملامح، وربما هنا المسؤولية تقع على المخرج!
هي مهضومة وليست مفروضة، وتؤدي بجمالية ناعمة، انصحها بدخول الشخصية بعمق، وأن لا تبقى خارجها، وهذا مع الزمن ستتعلمه!
– الفنان محمد الخطيب بدور “الرسام ساري السريالي” رشيق، ملامحه تحبها الكاميرا، مساحة دوره لم تخدم موهبته التي شعرنا بأنها أكبر مما شاهدنا، وما قلناه من نصيحة لزميله ” محمد” ينطبق عليه، مع العمل على تدريبات رشاقة الجسد!
– الفنان إياد نور الدين بدور ” صانع البرواز” واضح مدرسته في “التيك توك” لا تزال ترافقه في كل فرصة تقدم له في السينما أو التلفزيون، وكان عليه التقاط هذه الفرصة كي يثبت موهبة التمثيل لا أن يؤدي على هواه، الصراخ وبهلونات الحركة لا تجسد الدور ولا تخدم الحضور…رشيق ولكن يحتاج إلى إدارة مخرج…نصيحة التروي والتركيز في أي دور خارج استسهاله أمام كاميرا التلفون!
– الفنان حسن نور الدين دور “الخياط” يعطيه العافية قدم ما يستطيع لعبه، مهضوم، ومجتهد!
– الفنانة أريج الحاج قدمت الشخصية بشطارة، ولو اتيحت لها مساحة أكبر ومدروسة لكنا شاهدناها أكثر اقناعاً، نجحت بما هو متاح، ولا شك هي موهوبة…المكياج ظلمها.
– هادي فخر الدين الملقب بملك الجمال، ولعب دور ضمن هذه الدائرة الضيقة، والمشهد الأول من مشاهده جاءت الأكثر اتقاناً، ومن ثم ضاعت الشخصية!
هادي موهو، وعليه الإبتعاد عن شخصية الوسيم حتى نتلمس موهبة التمثيل التي لم تظهر جلياً بعد…هو من يختار ويقرر!
– الفنان يوسف الاتات لعب دور تلميذ معهد التمثيل الفاشل، صاحب الشعر الطويل، كان من ضمن الأفضل في الفيلم، لعب دوره بذكاء وتميز، هو حاضر ليلعب ألادوار المركبة لو اتيحت له الفرصة، وايضاً يلعب كل فنون الدراما من كوميدي وتراجيدي…فنان جاهز يحتاج إلى توجيه وإدارة مخرج لكونه اكثر اندفاعاً!

** تحية إلى الفنان صاحب الأدوار المركبة مجدي مشموشي فصنع من دور بسيط وهامشي شخصية حاضرة وفصلها تفصيلاً بعناية، وجعلها كوميدية بامتياز، والخبرة جعلته يقدم مفرداتها بذكاء دون تكلف أو استخدام ثرثرات الكلام او الجسد…اضحكنا ببساطة واقنعنا بهدوء.
إلى الفنانة برناديت حديب التي تثبت وجودها في أي عمل، خميرة التمثيل، ومتمكنة لا تهتم لمساحة الدور بقدر اهتمامها بالدور، وهنا تؤكد أنها قد المسؤولية، ومشهد نهاية الفيلم معها مقنعة مقنعة…وهنا قصدت خميرة التمثيل.
إلى الفنانة كارول عبود حاضرة ومتقنة لكن مساحة الشخصية ضيقة الأفق، أنا شخصياً مؤمن بكل ما تقدمه كارول، وهي من طراز رفيع…المكياج والإكسسوارات ظلمتها!
إلى الفنان سعد حمدان لحضوره السريع والجميل، وإلى الفنان خالد السيد لكونه قدم بمشهد بسيط خبرة الفنان واقنع ونجح، وإلى الفنان حسان مراد لعدم التصنع في أداء دور اعتاده…حسان يمتلك موهبة جيدة، ولكنه يسجن الموهبة بدور الشرير رئيس العصابة…وقد نجح هنا رغم صغر المساحة، ولكن أتحدث بشكل عام عن اختياراته واستمراريته!
** لا بد من تحية الموسيقي جاك برو، رغم شعوري أنني اعرف ما سمعته من موسيقى تصويرية، ولكن المفاجأة إنها نتاج شاب واعد، يجتهد كي يختلف…الموسيقى جميلة، وانصحه بأن يبحث عن جملة موسيقية تغني المقطوعة والمشاهد حسب ما يتطلب، وتكرر الموتيفات الموسيقية في الفيلم الواحد تضر السمع حيث لا تعلق أي نغمة!
برافو جاك على ما قدمته، واستمر في أن تكون أنت!
واخيراً…كان على المخرجه التنبه إلى أخطاء الماكير ” المكياج” التي ظهرت جلية على الشاشة…نحن في فيلم سينمائي ولسنا على المسرح أو نذهب إلى سهرة عائلية!

شاهد أيضاً

 قمر تفتح قلبها: “من دموع الخسارة إلى عشق النصر الذي لا ينتهي”

حوار /ماهر عبدالوهاب تنسيق/محمد الخليفة عشقت النصر منذ عمر التاسعة، حيث كان حب هذا الكيان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *