الخميس , نوفمبر 21 2024

في عيده شفيع الكنيسة المارونية .. مار مارون يصلي من أجل حلب

كتب/محمود الراشد

في مثل هذه الأيام 9/2 من كل عام يتقاطر أبناء الطائفة المارونية والأرثوذكسية والروم الملكيين والسريان الكاثوليك والكثير من المسلمين لزيارة ضريح القديس مار مارون شفيع الكنيسة المارونية الذي يرقد في ضيعة براد في ضاحية حلب الشمالية.. الطرقات تزدحم بالسيارات وتقام الزينات بين حلب وبراد وتعقد الندوات في المراكز الثقافية وكنائس حلب عن الأب الروحي للكنيسة المارونية ودوره الإنساني النبيل. أفراح وعظات وقداديس وتراتيل جميلة باللغتين العربية والسريانية تسمعها.


في كل مكان ، بل أن بعض الندوات تعقد حول السريانية وباللغة السريانية وتأثرالكنيسة المارونية بتقاليدها وطقوسها ،ألم تكن هي لغة القديس مار مارون وبه كان يخاطب رعاياه ويعظهم،وألم تكن هي لغة سورية أنذاك ومنه إشتُق إسم سورية..؟وقد ظلت الكنيسة المارونية في سورية ولبنان تستخدم اللغة السريانية في العظات والقداديس حتى وقت قريب إلى أن عرّبها غبطة البطريرك مار نصر الله صفير .
في مثل هذه الأيام من كل عام يأتي الزوار ،إلى ضيعة براد حيث ضريح القديس مار مارون ،من كل حدب وصوب من مطرانية طرطوس وأبرشية اللاذقية ودمشق ومن وادي النصارى ومن دير الزُّور ومن معلولا حيث مازلت تتحدث الأرامية لغة السيد المسيح ومن كافة المدن السورية ومن لبنان ومن فلسطين ومن المهجر الأمريكي والأسترالي وفرنسا .


أما أبرشية حلب المارونية فترتدي حلة غاية في البهاء والجمال ففي ساحة المطران فرحات في قلب حلب حيث تقع كنيسة مار الياس المارونية تسمع أجمل الترانيم والتراتيل بصوت بيار خوري الأوبرالي والمنشدة سيبيل بغدور وفرقتهما للإنشاد العرس يمتد لأيام والأفراح تخّيم على الجميع مسيحيين ومسلمين .. وإذا كان هذا العيد يظهر وبأجمل حلة مدى ترابط وتلاحم كافة مكونات الشعب السوري بصرف النظر عن الدين أو المذهب وبأنه عيد للفرح بقديس تجُّله كل فئات الشعب السوري ،فإن هذه الخصوصية التي تميز السوريين عن غيرهم هي حالة وجدانية عميقة لاتتصل بعيد أو مناسبة فهي ضاربة الجذور في عقول وقلوب كافة أبناء الطوائف والمذاهب .


أذكر بأن بعض الأسر المسلمة كانت تقوم بزيارات دورية لتقديم النذور إلى القديس مار مارون في ضيعة براد أو القديس سمعان العمودي في القلعة التي تحمل إسمه والتي تقع في ضواحي حلب القريبة من براد،.وبعضهم يفضّل أن يقدم النذور في كنيسة صيدنايا أو معلولا وهما أقدم كنيستين في العالم،
وأذكر أيضاً بأننا كنا نتبادل الزيارات والتهاني في كافة المناسبات المسيحية والإسلامية. بمنتهى الصدق والعفوية ولا أذكر أبدا حادثة واحدة تنم عن تفرقة بين مسيحي ومسلم ،. أما السؤال عن هوية الآخر الدينية فكانت مسألة معيبة ومستنكرة ونتعلم آدابها ونحن أطفال فلا أحد يسأل جاره أوصديقه في المدرسة إن كان مسيحياً أو مسلماً ،. ولولا المناسبات أكانت أفراحاً أو أتراح لا أحد يعرف من المسلم ومن المسيحي لاسيما وإن الأسماء مشتركة مثل عبد الله وإبراهيم وريتا وسمير ورامي ومي ومنى وسوزان وجهاد وكريم وليلى وغسان وسامر الخ أذكر أيضاً بأن بعض رفاقي في المدرسة من إخوتنا المسيحيين كانوا يحملون أسماءً مثل عمر وأحمد (وفاءً للنذور ). وهنا أتذكر بشوق صديق الطفولة والمراهقة الفنان المعروف عمرإسحاق. (أخ من الطائفة المسيحية الكريمة من دير الزُّور ) الذي كان يستغل فرصة خروج الطلبة من.الفصل ويقوم برسم أيقونة للسيدة مريم عليها السلام على السبورة محاطة بأيات قرآنية وعندما كنا نعود إلى الفصل ويعود المدرس ندهش بلوحته الرائعة وبقدرته على رسم وجه الطاهرة مريم بكل تفاصيله البديعة وكذلك، تخطيطه الجميل لللأيات القرآنية الكريمة وبألوان تحسبها طبيعية وهي في الحقيقة من الطبشور الملون، وكل ذلك في دقائق معدودات ،. و كان المدرس في الغالب وقبل أن يبدأ بمادته المقررة يلقي علينا درساً..


في موهبة زميلنا عمر إسحاق وفي تاريخ الفن ويسهب في أهمية الأديان من ناحية روحية وأخلاقية وبأنها في جوهرها تحمل نفس القيم تقريباً ويعرج على حوار الأديان مستذكراً بعض كبار المفكرين والشعراء من المسلمين والمسيحيين .. ولن أنسى أبداً فضل مدرسة الحكمة ومدرسة المعري والمأمون علي وفضل مربين.. عظماء مثل الكاتب المسرحي المعروف عبد الفتاح رواس قلعجي وجورج شامية.. وإبراهيم ميخائيل ،أطال الله في أعمارهم ،الذين صقلوا ذائقتنا الأدبية وساهموا في بناء عقولنا البريئة على حُب المعرفة وحُب الآخر وتقدير المبدع وعشق الفن والشعر والموسيقى … أذكر أيضاً بأن مدرس مادة الديانة لم يكن يطلب من المسلم الخروج إذا الحصة عن الدين المسيحي والعكس صحيح، وكان الطالب المسلم أو المسيحي يختار بين أن يتابع حصة الدين مع رفاقه المسيحيين أو المسلمين أو يخرج بمحض إرادته .


كم أتمنى أن تبقى هذه الروح العظيمة لدى أهلنا في سورية رغم أنف القتلة والمجرمين الذين يحاولون تشتيت مكونات الشعب السوري الضاربة في القدم إلى جداول صغيرة يسهل التكحم بها بعد أن كانت نهراً عظيماً متدفقاً. روى أرض سورية ومنذ فجرالتاريخ وأنبت فيها كنائس ومساجد وأعطى الكون أول أبجدية عرفتها البشرية وساهم في إرساء اللبنات الأولى للحضارة الإنسانية صدق الشاعر اللبناني الكبير سعيد عقل عندما قال :((شام يَاذَا السيف لم يغبِ .. ياكلامَ المجدِ في الكُتبِ قبلكِ التاريخ في ظُلمةٍ .. بعدكِ إستولى على الشهُبِ)).. رحم الله القديس مار مارون فهو أول من علم الناس شظف العيش من خلال زهده المطلق بمتاع الحياة الصغيرة ،كان يفترش الأرض ويلتحف السماء على جبل قورش بالقرب من براد طوال أيام السنة ويقدم بركاته ومواعظه إلى المسيحيين والوثنيين ويساعد الفقراء والمساكين ويقاسمهم زاده ويشفي المريض ويعالج الأعمى وهو في كل ذلك يسير على خطى سيدنا المسيح عليه السلام ويستكمل طريق القديسين بطرس وبولس اللذين نشرا الدين المسيحي في جنوب سورية الوثنية .

أنا على يقين بأن القديس مار مارون يتألم حيث هو لما يحصل لأبناء مدينته حلب ولأبناء سورية من مسيحيين ومسلمين ، وهو بلا أدنى شك يصلي من أجل وقف آلة القتل والدمار التي طالت الحجر. والبشر مسيحيين ومسلمين ، إذ لم يوفر أحفاد هولاكومن المتطرفين. الكنائس والمساجد بل أنهم نبشوا قبور الصحابة والأولياء والقديسين. وأحرقوا المكتبات وسرقوا مخطوطات وأيقونات نفيسة من كنائس معلولا وحمص وداسوا أشجار الياسمين وخنقوا العذارى بإسم العفة ،. وقطعوا رأس تمثال المعري في معرة النعمان ورأس تمثال. اأبي فراس الحمداني في منبج،هل تعتقدون بأنهم فعلوا ذلك لأن شاعر.. الفلاسفة وفيلسوف الشعراء المعري عبر عن رأيه وبشكل متحضر.. جداً في إحترام الآخر ومعتقداته ..؟عندما قال يوماً :((في اللاذقية ضجّة ٌ ما بينَ أحمدَ والمسيحْ هذا بناقوس ٍ يدقُّ وذا بمئذنــــةٍ يصيحْ كلٌّ يمجّدُ دينــهُ ياليتَ شعري ماالصحيح )) هل هو إنتقام بأثر رجعي من رهين المحبسين المعري بعد حوالي ألف عام..؟ لست أدري ولا المنجم يدري

Check Also

صاحب ” حلو الفن” فرنسوا حلو لامال فقيه:” يطلقون على انفسهم القاب، واغلب اصحاب المدونات لا علاقة لهم بالكتابة والصحافة”

“ما ارتهن ولا يوم لجهة معينة، أو استسلم , وساير الدارج، أسلوبو ماييشبه حدًا حتى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *