حوار/ ابتسام غنيم
بين ابداع الفن وصخبه خطى ساري البادية ابن بعلبك خطوات ثابتة نحو النجومية منذ سنوات مراهقته الاولى، فراح يعزف الغيتار الحان فرح، ويغني نجاحه بتألق، الى ان لمع اسمه عالياً، الى ان وصل بريقه الى مصر وتحديداً للمخرج الكبير علي بدرخان الذي اختاره ليكون بطلاً لفيلم من افلامه، لكن الشاب الطموح قرر أن يهجر سنواته الـ 13 من عمره الفني ويترك تلك كل المغريات خلفه ويتجه الى درب الرب، ويقدم حياته للعبادة زاهداً الدنيا وما فيها بدير ” الكُريم” في غوسطا لمدة سنة كاملة ثم التحق بكلية اللاهوت فدرس الفلسفة لمدة خمس سنوات فصار شماشاً فكاهناً واختار ان يكون خورياً راهباً مكرسا حياته كاملة للرب والعبادة متخليا عن الزواج والاطفال مكتفيا بأبناء الرعية اولاداً له.. مع الاب جان عقيقي كان هذا الحوار التالي:
*حدثني عن جديدك؟
-مؤخراً أقمت ريسيتال بمناسبة الميلاد المجيد، وهو الريستال الـ 11 في رصيدي وضم مجموعة من التراتيل والترانيم.
*أشعر انك تعيش سلاماً كبيراً؟
-الى ابعد حدود، خصوصاً عندما أرتل، أذ أؤدي رسالتي الروحية كما يجب، وبالمناسبة كل الترنيمات والتراتيل التي أسجلها تضم رسائلاً هادفة لاسيما واني تابعت دراسة الغناء الشرقي، واصبحت اليوم مُدرساً (ويتابع) السيديهات التي أسجلها تضمنت مواضيعاً مهمة مثل الام والاب والوطن والعائلة ومحاربة مرض السرطان وخطر المخدرات وغيرها من المضامين القيمة..
*الرهبنة زادتك نضجاً؟
-اكثر مما تتخيلين، وروحي أصبحت أسمى مما تتصورين، تسكنني السكينة، ونفسي زادت تهذيباً الى ابعد حدود، وحياتي في الدير فيها الكثير من المحبة والعطاء والاندماج بالموسيقى التي ترتقي بالنفس والوجدان( ويضيف)، يقصدني الكثير من الاهل ويطلبون مني أن أعلم اطفالهم الموسيقى والعزف على البيانو لاسيما الاطفال الذين يعانون من فرط الحركة اي ” الهايبر اكتيف”، واكون في غاية السعادة وانا أدرسهم.
*ما الفرق بين النجم ساري البادية والاب جان عقيقي؟
-ساري حالة خاصة في الفن والحياة، بقدر ما كنت أحب الغناء والعزف والاستعراض الا ان روحي كانت تميل الى الهدؤ والسكينة.
*كيف اتخذت قرار الاعتزال؟
-القرار كان مدروساً والرهبنة لم تبعدني عن الغناء، اذ لا زلت اواصل رسالتي الفنية من خلال التراتيل والترانيم، الاغنية قد يسمعها مئة الف شخص، لكن الترنيمة يسمعها الملايين لان هدفها سامياً للغاية وتدعو للمحبة،( ويضيف) لدي ترتيلة للام تقول” امسك التراب يقلب دهب” وهذه الدعوة تقولها كل الامهات المسلمات والمسيحيات لاولادهن، ايضاً ترتيلة ” وين الضمير” قصدت بها الفساد والازمة التي الحقت بلبنان، رتلت للزمن وللضررالذي يعود على الذين يتعاطون المخدرات وغيرها من المضامين القيمة.
*دخلت الفن صغيراً؟
-صحيح، ومسيرتي استمرت 13 سنة، وبعدها اعتزلت وعشت وأعيش بالدير منذ 17 سنة وكُلي سعادة،(ويتابع)أعيش حياة هادفة لا أملك شيئاً، ليس لدي أموالاً خبزي كفاف يومي أعيش بالدير بطاعة وفقر وزهد وسعادة.
*تحُن لساري؟
-احب ساري ولا اخجل من مسيرته على الاطلاق اذ كانت نقية وشبابية راقية، كل منا عليه ان لا ينكر ماضيه مهما كان ولا يتجاهل حاضره ولا يامرد على ما ينتظره بالمستقبل، كل مرحلة من حياتنا لها وضعها واسبابها وجمالها.. في السابق كنت صغيراً وأعيش الفن بكل سعادة واليوم، أصبحت اكثر نضجاً ويسكنني سلاماً داخلياً عميقاً.
*كنت مهياً للرهبنة؟
-أكيد، لاني دخلت الوسط الفني بعمر صغير، كنت أغني وأعزف وأصمم الازياء، الا اني عندما كنت أخلو الى نفسي كنت أشعر اني أريد أن اكون في مكان ما في عزلة، الى تحرير نفسي من المظاهر والصوم عن الذات اي كما قال السيد المسيح ” ، كان قلبي فيه حنين و أشتياق إلى السما، والقيام بالأعمال التى تقرب الانسان الصالح إلى الله دون النظر إلى متاع الدنيا الزائلة ، وظلت الفكرة راسخة في ذهني لمدة ثلاث سنوات، ومن بعدها قررت ان أعتزل وانسحبت من الفن بهدؤ من دون ضجة او شوشرة أعلامية وكنت في غاية السعادة، علماً اني كنت حينها قد وقعت على بطولة فيلم لبناني مصري مع شركة روتانا ومن اخراج القدير علي بدرخان( ويضيف) بعد ان تركت السهر والغناء، وعالم الليل شعرت أن صوتي زاد نضجاً ورخامة.
*لديك أصدقاء من الوسط الفني؟
-أكيد، وكثر يأتون الى هنا في القداس، وأبرزهم السيدة ماجدة الرومي التي تواظب على الصلاة ودائماً انا على تواصل معها،( ويعلق) في الوسط الفني هناك الكثير من المحترمين الراقيين مثل السيدة ماجدة الرومي
*كررت أكثر من مرة انك تعيش سلاما عميقاً؟
-أكيد، فالروحانية الني أعيشها بيني وبين ربي لا تشعرني بأي من الاظطرابات النفسية و الايمان وممارسة العبادات هما منبع الأمان الروحي، أعيش حياة الزهد في كل شي، والتجرد من المقتنيات وإختيار الفقر وممارسته، فضلًا عن التقشف في المأكل والملبس وأسلوب الحياة، من أجل إنطلاق الروح الإنسانية في آفاق الروحانيات والسمائيات، وهذا البعد النسكي عمل على تشكيل نفسيتي وشخصيتي، وإنعكس في أعمالي وأقوالي وتعاليمي، فأفضفى عليّ صورة روحية عميقة وزدت عطاءً لان رسالتي هي خدمة الرب والناس الذين يقصدونني وصرت اكثر صبوراً ، طاهراً ، عفيفاً ،جواداً، متريثاً، رحيماً ، وقوراً ، كتوما، شكوراً ، مطيعاً ، وحين يقجني احداً ويكون مهموماً أحمل نصف همه، مهما كانت ملته أو دينه، يهمني الانسان ومساعدته،(يبضف) انا من مدينة بعلبك عشت فيها أجمل ايام حياتي، وكلما قصدتها أعود وأعيش اجمل الذكرايات بين أهلي وناسي وجيراني وأبناء المنطقة الذين هم من كل الطوائف والجميع يحبونني، لا سيما الاطفال الذين يلتفون حولي وينادونني ” أبونا جان أبونا جان”أكون لحظتها في قمة سعادتي.
*تتلقى دعوات للافطار في شهر رمضان الكريم؟
-طبعاً واغلبية أصدقائي من المسلمين، واقدرهم وأحبهم وهم ايضاً يكنون لي كل الحب والاحترام ويصرون على دعوتي في الشهر المبارك.
*فيما لو طُلب منك ان تؤذن؟
-بكل محبة ورحابة صدر، لكن سأؤذن على طريقتي،(ويضيف) لا تنسي اني أجيد ترتيل وتجويد القرآن الكريم أيضاً..وأسمع ايضاً الاناشيد الدينية واحب ” اسماء الله الحسنى” بصوت المطرب هشام عباس، واحب ” المسيح الحنان ” و” البشارة يا مريم” بصوت وائل جسار.. الانشاد الديني يُهذب الصوت ويصقله كثيراً..(ويتابع) في المسيحية لا يُسمح للخوري ان يُرتل مالم يكن صوته جميلاً، لذا ندرس ونصقل أصواتنا لنؤدي الترانيم والترتيل بأجمل الاصوات.
*اي من حياة القديسين او أي المطران تتمنى ان تقدمها فيما لو طلب منك تجسيدها بعمل فني؟
-الكل له خصوصيته وسياقه الدرامي الراقي، لكني أحب أن أجسد حياتي من العمل بالفن والازياء والشهرة والنجومية.. وكيف عشت صراعاً داخلياً صعباً، كنت اشعر اني لست في المكان المناسب رغم ان العام 1996 كان االعام الذهبي بالنسبة لي، لم اكن أشعر بالسعاد،ة لاسيما وانني مررت بظروف قاسية من فقدان الاحبة، وكنت أقول لو وجدت السعادة سأشتريها مهما كان الثمن، سافرت وقتها الى مديغورية وهناك صليت وتأملت وشعرت بغبطة لا توصف، وقررت أن أصقل ذاتي فصرت أصلي أكثر وأصوم وأقوم يومياً بعمل رحمة مهما كان صغيراً، وتدريجياً صرت اتخلى عن الاشياء التي أملكها والمقتنيات، واتخذت قراري بدخول الدير والغيت كل عقودي الفنية، وعقود الازياء التي أبرمتها ووزعت معظم ما املك، وهكذا صرت راهباً بمعونة الرب.
*لا زلت تسجل الترانيم عبر سيديهات؟
-اكيد لدي 27 سي-دي وكلها مُرتبطة بقضايا الناس والوطن.
*اكثر ترنيمة تحبها؟
-“ياطفل المغارة” و”يا نبع المحبة” للسيدة ماجدة الرومي.
*هل تعلم ان مسلسل ” محمد رسول الله” هو من تأليف الكاتب المسيحي كرم بولس النجار؟
-قرأت عن هذا الموضوع بحوار لك مع الكاتب النجار، وحتى تيتر المسلسل اذكر انه كان جميلاً للغاية اذ يقول” دعوة ابراهيم/ ونبؤة موسى/ ترنيمة داوود/ وبشارة عيسى”.
*تتحدث عن الجميع بمحبة كبيرة؟
-أعيش حياتي ببساطة، أتبع تعاليم السيد المسيح الذي قال:” اذا أطعمت جائعاً او سقيت عطشاناً او زرت مسكيناً او مسجوناً كأنك فعلت كل هذه الامور لي”، أرفض أن تعلو الأنا التي بداخلي، وأضع نصب عيني قصة السامري الذي رأى رجلاً يتعرض للضرب من اللصوص، ولم ينقذه أحد من أهله او جيرانه، فبادر الى انقاذه ومعالجة جروحه من دون أن يعرف اسمه ولا دينه، هنا تكمن أهمية عطاء الانسان، وانا كالأب جان عقيقي مرة لم أسأل احداً عن ملته أو دينه، السيد المسيح علمنا نعرف كيف نحب وكيف نمارس المحبة مع اخواننا في الانسانية، وبالنسبة لي كل الاديان رحمة وتقرباً الى الرب.
*كم اغنية كانت برصيد ساري؟
-21 اغنية ابرزها” تلات قلوب”، ” ناني”، ” حكاية عمري” قولها تاني” وغيرها من الاعمال، وعندما ترهبنت قررت ان اتوقف عن الغناء، لكن مرشدي الاباتي ساسين زيدان رحمه الله، قال لي ان صوتي وزنة من الوزنات التي وهبني اياها الله ويمكنني من خلالها ايصال رسائلاً روحية، وتسليط الضؤ على القضايا الاجتماعية الهادفة، واستخدم صوتي كتبشير وهداية للناس.
*اين تقيم اليوم؟
-في غوسطا بدير “كُريم”. اليوم انا راهباً خورياً وأعلم بالجامعة، وأبا روحياً للعديد من الاطفال، وتسمية ابونا هي الأحب الى قلبي، واحمد الرب على كل ما مررت به في حياتي وأشكره على انه وضعني في كل الاختبارات والخبرات، وعلى كل دمعة وبسمة، لاتمكن من تجنيدها اليوم في خدمة الرب.