بقلم الاديبة يتا بدر الدين
اتجول في مكتبة والدي ،كأني في حديقة متنوعة الزهور والرياحين هكذا هي رفوف المكتبة التي تعج بكتب ومجلدات متنوعة لكبار المفكرين والادباء العرب والاجانب، اما الرفوف الاخرى ،فهى للمجلدات الثقافية كالرسالة ،والهلال،والمجلات الاجتماعية،كمسامرات الجيب ،والاثنين،وكلها كانت تصدر في اربعنيات القرن الماضي،وقد قرأتها كلها وتعرفت على الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر كما وقرأت مقالات باقلام طه حسين والعقاد، والحكيم والمازني ،فكري اباظه،احسان عبد القدوس ،ويوسف السباعي ،وغيرهم..
وقد لفت نظري مجلة صغيرة الحجم اسمها ” الدنيا الجديدة”، اخذت اتصفح اوراقها الصفراء،اذ انها صدرت في شهر يناير لسنة ١٩٤٥ وثمنها ٣ صاغ ،وفيها ابواب متنوعة تحت اسم بريد العالم ،وأستوقفني ،مقال في الصفحة ٣٧ وهو منقول عن مجلة اسمها ،”اسيا”، لكن بدون توقيع والعنوان “مرزوق”،وصورته على طول الصفحة بملابسه العربية وابتسامته التي تظهر اسنانه البيضاء وبشرته السوداء.,يستهل الكاتب المقال بالحديث عن البساط السحري ،وكيف تحول الى طائرة ،وهنا ساختصر الحديث عما كتبه بالتفصيل ،اذ يهمني فكر واراء مرزوق. فالكاتب حيث كان يقف في استقبال الطائرة التي وصلت نيويورك وعلى متنها كرام العرب من العائلة المالكة السعودية الامير فيصل والامير خالد ومعهما الحاشية ،ومرزوق كان يمشي خلف الامير فيصل ،فهو الحارس الخاص واقرب المقربين له يقول الكاتب( انا اعتقد انه دبلوماسي مصري يعمل في القنصلية او في الامم المتحدة)، يقول دعاني الامير فيصل على العشاء في فندق “ولدورف”،وكان معنا الحارس مرزوق ،فتعرفت على جوانب شخصيته ،وعرفت ان الملك الوالد عبدالعزيز قد اختاره حارسا لابنه فقد وجد فيه خصال حميدة من الشجاعة والامانة وحسن التصرف، والذكاء يشع من عينيه ،والملك اشترى منه فرسين اهداهما للملك المصري وللملك الايراني ،فمرزوق تربى في الصحراء منذ الطفولة ،وهو امي لكنه يستشهد بابيات الشعر القديم في احاديثه ،ويخاطب الامير ياعمي ،وهذا يدل على تواضع الامير فيصل الذي حين يطلب منه أمرا يكون برجاء وليس بالامر ،المهم يقول الكاتب انه اصبح صديقا له وعرفه انه متزوج من اربعة نساء وقال له حتى لو عدلت بينهن فمستحيل ان تعترف اي واحدة منهن بالعدل ،ويضحك بصوت عالي..
ثم يتابع الكاتب حديثه عن يومياته وخصوصا عن تجواله بشوارع نيويورك برفقة مرزوق ويسجل مايثير فضوله تجاه هذا الحارس الظريف الذكي ،ويقول تعليقا على الطبيب الاميركي حين ذهب للعلاج من وجع في مفاصله ،يقول انا لايهمني حكاية المرض التي يسردها الطبيب المهم ان يعطيني الدواء هذا الذي يفيدني ،ويعلق مرزوق ايضا على فرقة من النساء المجندات كانت تمر بجانبهم في احد شوارع نيويورك قائلا انظر “النساء لايستغن عن الرجال فهذا الجندي يتتبع خطاهم ويحافظ عليهن والحياة لاتكتمل الا بالتعاون بين الجنسين” ،اما الأمر الهام الذي قاله مرزوق حين سألته عن رأيه بهذه المدينة ،اذ رفع عينيه نحو ناطحات السحاب ، وقال بدهشة”اري كأني في مدينة من قصص الف ليلة وليلة انها من الخيال الذي تحقق كما البساط السحري” لكن للاسف قالها مرتين واستفسرت عن اسفه فاجاب “ماذا سيحدث لو أن احد المجانين ،ركب طائرة ورمى القنابل على هذه الناطحات ،وتقع الكارثة الكبرى بقتل الناس وتحول كل شئ الي حطام “،واردف يقول” المجانين موجودين في كل الدول قد يأتي احدهم الى نيويورك ويرتكب فعلته الشريرة المجرمة ثم ،اردف مرزوق قائلا” الطائرة هي الوسيلة العظمي لتقريب الشعوب ليصبحوا شعبا واحدا في الكرة الارضية ، فهي أداة لتواصل ووسيلة سلم يجب ان تكون دائما لنعيش جميعا بمحبة وامن وسلام “..
هذا هو مرزوق الرجل الآمي الذي يتكلم عن المحبة والسلام في سنة ١٩٤٥ فهو ذكي على خلق رفيع ،مسلم يفهم ان الاسلام دين محبة وتسامح ورحمة وتعايش مع مختلف الاديان والعقائد ،فالاديان كلها جاءت لاسعاد البشر ،وللعيش بسلام وامان ومحبة ،لو كان مرزوق قد مد به العمر لشاهد على التلفزيون كيف جاء شباب من بلاده على درجة عالية من التعليم يخطفوا الطائرات ويدمروا المركز التجاري في نيويورك ،كما تخيل مرزوق ،حصل هذا ،في سنة ٢٠٠١في شهر سبتمبر (ايلول)ظهرا ،. للاسف ،اصبح الارهاب متعدد المصادر والمسببات الفقر ،والجهل،والفكر الظلامي الذي يمكن ان يصاب به المتعلم، وفهمه الخاطىء للدين لذلك فإن الوعي والثقافة والانفتاح على الاخر ،وانتشار القوى الناعمة من الثقافة والفنون كلها تساهم في الحماية من الفكر المتطرف المؤدي للارهاب ، واننا نشهد هذه الايام ما تركز عليه القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية من قفزات هائلة نحو الانفتاح والتقدم والتركيز على القوى الناعمة ،وحقوق المراة،ومكافحة الفكر المتطرف ونشر الوعى ،وغيرها من الانجازات العظيمة لمصلحة المواطن السعودي الذي يتمثل بفكر مرزوق المحب للتقدم وليس للتخلف والعيش بسلام وامان و محبة مع كل شعوب الارض.