حوار/ ابتسام غنيم(من الارشيف)
#علي بدرخان اسم اشهر من نار على علم في عالم الاخراج السينمائي خصوصاً انه صاحب بصمة ورؤية فنيتفردة بشخصيته الاخراجية المتميزة مثل افلام “الكرنك”،”الجوع”،”الحب الذي كان”،”الرجل الثالث”، “الرغبة” وغيرها، هذا بالاضافة الى انه ابن أهم رائد بتاريخ السينما المصرية وتأسيسها هو المخرج الكبير أحمد بدرخان، بالتالي كان زوجاً للسندريلا سعاد حسني لمدة 11 سنة وحتى بعد الطلاق ظلت الصداقة بينهما قائمة وقدمها بآخر أفلامها “الراعي والنساء” الذي حمل توقيعه، معه بالقاهرة كان هذا اللقاء الحصري الذي اجريته معه قبل سنوات واليوم أُعيد نشره بمناسبة مرور 20 سنة على رحيل سعاد حسني الغامض.
*علي بدرخان إشتقنالك كتير .
-(يرد باللهجة اللبنانية) وأنا كمان إشتقتلكن، وإشتقت للبنان الحبيب أيضاً.
*غبت عن الإخراج منذ سنوات هل المناخ الفني لم يعد يناسبك؟
-لا ابداً، الفترة التي غبت فيها كنت خلالها أبحث عن موضوع مهم أطرحه بالسينما، اذ لن أقدم بعد كل هذه النجاحات والانجازات عملاً لمجرد التواجد، وتعلمين جيداً أن اسمي لم يبرز من فراغ بل من تعب وجهد وطرح موضوعات تهم المشاهد، لذا ما أريد أن أقدمه للجمهور ربما لا يفيد الجهات الانتاجية من الناحية المادية، حيث أن أغلبها صارت تجارية، وأنا لي رؤيتي الخاصة والمميزة.
*تتعمد التوجه للنخبة علماً أن النبض الشعبي مهم؟
-والله لا أفرق بين النخبوي والشعبي، توجهي للجمهور الذي يفهم أفلامي ومضمونها، والحمد لله تاريخي يشهد للنجاحات التي أحرزتها أفلامي على المستويين النخبوي والشعبي مثل “الكرنك”،”شفيقة ومتولي”،”اهل القمة”، “الجوع”، “الرغبة” وغيرها وكلها لها بصمتها الراسخة بذهن الجمهور، اليوم الموضوع اختلف بحيث أن الرأسمال يبحث عن موضوع يثير ضجة ويفرز أموالاً أضعاف الانتاج.
*لكنك من عمالقة المخرجين وبإمكانك تغيير تلك الرؤيا؟
-صحيح، لذا أحاول بكل جهدي أن أوفق اختياراتي مع اختيارات الانتاج، وأكرر أني ارفض تقديم اي فيلم لمجرد التواجد لسبب أن اسم علي بدرخان لم أصنعه من فراغ.
*هل جرأتك وواقعيتك هي سر نجاح “الكرنك” حتى هذه اللحظة ؟
-هذا الفيلم له مكانة كبيرة بقلبي، اذ لم أقرأ قصته التي صاغها الكاتب الكبير نجيب محفوظ لكن في الوقت عينه كنت أريد تقديم عملاً بنفس المضمون ومن محاسن الصدف أني قرأت القصة في الصحيفة وعلى الفور ذهبت الى الاستاذ نجيب محفوظ واشتريت منه القصة، واذكر حينها أن ممدوح الليثي كان متحمساً لانتاجه لولاه لما خرج “الكرنك” الى النور، كونه كان يتطرق الى الاستبداد السياسي والفكري والتعتيم الاعلامي الذي انتهجه نظام الحكم المصري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر حيث يتناول قصة مجموعة من الشباب الجامعي الذين يتم اعتقالهم من دون جريمة بسبب التقائهم في مقهى “الكرنك” الذي عُرف عنه تجمع بعض المفكرين فيه وتعرضهم أحيانا لنقد الثورة، وفي المعتقل يتم تعذيبهم واجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، ويتم إجبار البعض منهم على العمل كجواسيس لصالح النظام.
*اعترضت على ظهور شخصيتك بمسلسل “السندريللا” عن حياة زوجتك النجمة سعاد حسني؟
-فعلاً، أنا قيمة فنية وسعاد حسني قيمة كبيرة أيضاً، والعالم العربي يشهد بذلك، واذ بالمسلسل يتطرق لحياتها ويركز على النميمة وقصة حبنا وزواجنا وطلاقنا، وتم خلط العام بالشخصي وتجاهلوا بريق السندريلا التي هي أسطورة كاسحة، اذ بنت مجدها بالتعب والدموع والجهد واستغلوا تاريخها المشرف لمجرد تقديم عمل فني “مبهبط”، وهذا العمل ظلمها لأنهم غيبوا شخصيتها الحقيقية وقيمتها الفنية، كما أني ضد التطرق الى حياة الفنان الشخصية، وعموماً سعاد حسني ليست بحاجة لمسلسل لأن تأثيرها ما زال في قلوب ووجدان الجمهور.
*لكن الفنان حق عام ؟
-“أوكي” أنا معك في أن الفنان حق عام لكن ضمن حدود الفن وليس العلاقات الشخصية ولا مانع أن يناقش آرائي ووجهات نظري، وبالنسبة لي أنا ضد السير الذاتية التي تُجرح بالناس، يعني مثلاً السيدة صباح كانت نموذجاً للجمال والصوت الجميل والاناقة وقدوة لكل السيدات فهل يعقل تشويه صورتها بعمل فني؟ طبعاً لا أوافق، ويهمني أن أوصل رسالة لقيمتها الفنية بصرف النظر عن أسرارها الشخصية، ولو اضطر الأمر لا مانع من الايحاء والمرور بشكل عابر على الأمور الشخصية بشرط أن لا تكون محور المضمون الأساسي وهو القيمة الانسانية والفنية.
*كمسلسل أم كلثوم؟
-انا ضد تناول الشخصيات العامة سواء “الشحرورة” صباح أو حتى كوكب الشرق ام كلثوم اذ في هذا التناول لا بد أن يقع القصور ومن هنا سيأتي العمل مرتكزاً على جماهيرية الشخصية المعنية بالموضوع وسيكون الفشل حليفه، لكن لو طرحت الرؤية حول تلك الشخصيات العملاقة لتكون رسالة وقدوة من هنا قد ينجح العمل.
*لم تعترض على ظهور شخصية والدك المخرج الكبير أحمد بدرخان في مسلسل “اسمهان”؟
-أبداً، لأن ارتباطه بها كان لفترة قصيرة وعلى فكرة صناع العمل لم يسألوني عن موافقتي على ظهور والدي، ولم يكن في العمل أية إساءة لوالدي، (يصمت ويضيف) هل تعلمين كيف تزوجا وانفصلا؟ والدي أعجب بها وأحبها جداً أثناء تصوير فيلم “انتصار الشباب” لانه كان صديقاً مقرباً من الموسيقار فريد الاطرش حتى آخر يوم من عمره، واذكر أن الأخير كان يحتفل بعيد ميلادي كل عام وكنت احبه جداً، يعني صداقته بوالدي لم تتزعزع حتى بعد طلاقه من اسمهان التي أرتبط بها وأحبها، وتفاجأ أنها مُسرفة جداً علماً أن والدي من أصحاب الاملاك، لكن اسرافها كان الى حد التبذير وكان يأتيه أصحاب المحلات بفواتير باهظة من مشتريات كانت تشتريها يومياً، ونبهها لهذا الأمر مراراً وتكراراً لكنها لم ترد عليه وتفاقمت خلافاتهما بسبب هذا الأمر وحصل الطلاق لكن بقيت صداقته وطيدة بفريد الاطرش.
*اعلم أنك زرت لبنان خلال الاجتياح الاسرائيلي .
-أعشق لبنان وشعبه، وتعمدت خلال الاجتياح الاسرائيلي أن أزور لبنان مع بعض الفنانين كوقفة معنوية منا للشعب الذي نجله ونحبه، وهذه الرحلة كانت تجربة ثرية بالنسبة لي وغيرت من أفكاري بل شكلت نقلة في تكويني الشخصي، ذهبت اثناء الحصار ومشيت كثيراً ونمت في أحد الملاجىء والتقيت بالدكتور الفلسطيني فتحي عرفات رحمه الله واستضافني ووفد الفنانين بمنزله، وليلتها أسمعنا اغنيات وطنية وبكيت من شدة التأثر، الموقف كان مؤثراً اسرائيل تجتاح أجمل وطن بالعالم، وصدقيني لا أقولها مجاملة فلبنان يعني لي الكثير خصوصاً أنه في توقيت الاجتياح احتفل عروسان بزفافهما بالملجأ وكنت حاضراً للعرس أليس هذا تمسكاً بالحياة والوطن؟
*أيضاً كنت تزور لبنان قبل الحرب اللبنانية .
-كنت أتواجد فيه دائماً، ومرة إلتقيت بالمخرج الحبيب محمد سلمان الذي كان صديقاً لي وللاسرة ودعاني للغداء وأذكر أننا تناولنا “فراريج مشوية مع الثوم”، واصطحبني لحضور فيلم أجنبي وما ان دخلنا السينما حتى سلم على كل الناس بخفة ظله المتناهية، وما إن بدأ الفيلم حتى انخرط بنوم عميق وقبل أن ينتهي الفيلم بربع ساعة استيقظ وقال لي:” هل دققت بلقطات الاكشن؟ كانت رائعة يا علي” فقلت له “يا عمي سلمان كنت نايم وبتشخر طول الوقت والفيلم مش اكشن خالص”، رحمه الله كان دمه خفيفاً، ايضاً كنت ألتقي بناجي العلي الذي أصفه بالمقاوم من خلال ريشته رحم الله حنظله، والصبوحة حبيبة قلب الكل، وزياد الرحباني اعتبره علامة وعقلية نادرة.