تحقيق/ حسانة سليم
قبل سنوات وتحديداً في العام 1987 قدم المخرج رأفت الميهي عملاً فناً بعنوان”السادة الرجال” بطلة محمود عبد العزيز ومعالي زايد وهالة فؤاد وكان الفيلم يتناول أبعاد العلاقة بين الرجل والمرأة من خلال منظور اجتماعي ونفسي، فالرجل على خلاف دائم مع زوجته التي تريد أن تكون لها شخصية وقرار، وتُقرر أن تنتقم لنفسها ومن كل الرجال الذين يسيئون إلى المرأة فتجري عملية تحويل وتصبح رجلاً يتمرد على مجتمع الرجال واضطهادهم للنساء وترتبط بإبنة خالتها فيما بعد.. على الرغم من ان العمل كوميدياً لكنه ينتقد واقع بعض الرجال الذين مازالوا يعيشون على مفاهيم تقليدية وقديمة، والعمل الذي طاله حينها الأنتقاد خصوصاً في ما خص مشاهد التحويل، اذ وصفها البعض بالفنتازيا وآخرون بالكوميدية الهزلية، الا أن الميهي أبرز بمفهومه الهوة بين الرجل والمرأة وسخره من المجتمع والواقع المحيط بهما لأسيما بعد تحول بطلة الفيلم معالي زايد من فوزية إلى فوزي، مشيراً إلى أن هناك كثراً يحملون هرمونات مخالفة لطبيعة تكوينهم وبأمكانهم التمرد واجراء عملية تحول والعيش بطريقة طبيعية بصرف النظر عن السخرية والتهكمات..
وربما أقرب مثال على ذلك ما حصل اخيراً مع الشاب المغربي نورالدين الذي خضع قبل سنوات لعملية تحويل وأسمى نفسه نور وغيّر اعضاءه الجنسية من رجل الى امراة، وبعد ذلك تقدمت بطلب رسمي لتغيير بطاقتها في مدينة أغادير بالمغرب فرفض طلبها لثلاث مرات متتالية، فما كان منها الا أن أعلنت التمرد وأكدت انها لن تتنازل عن حقها المشروع بالتحول الذي منحها ثقة بالنفس وتوازناً مع ذاتها، خصوصاً انها كانت تعاني كثيراً قبل أن تصبح فتاة.. وتؤكد من انها تُهاجم بأسلوب غير حضاري على حد قولها ممن يعلقون اوراقها الثبوتية الجديدة بأسم نور، ما يسبب لها مشاكل قانونية اثناء السفر لكن هذا لم يمنعها من مواصلة إثبات حقها مؤكدة أن قضيتها ليست قضية تحويل فقط.. ونور اليوم تعمل في مجال الرقص الذي تتقنه ولها العديد من المعجبين بتابلوهاتها الراقصة وقررت أن تغزو السينما خصوصاً انها تملك موهبة التمثيل وقعت عقد المشاركة في فيلم مغربي ثم سافرت إلى مصر حيث تُحضر عملاً فنياً تُراهن على انه سيجعلها في مصاف النجمات بالاضافة إلى عمل مسرحي عالمي ما يعني أن حظ نور وإعتدادها بنفسها كان أكبر بكثير من حنان الطويل الملقبة بكوريا.
من هي حنان الطويل؟
حنان كانت شاباً قبل أن تخضع لعملية تحويل إلى انثى، والسينما المصرية إستغلت شكلها المميز وقدمتها في بعض الأفلام منها”عسكر في المعسكر” بدور الراقصة كوريا الذي أصبح لقبها، ثم”عايز حقي” و”عبود على الحدود” و”55 إسعاف” و”الناظر صلاح الدين”، وكانت حنان تُصاب من حين لآخر بحالات كآبة وبين ليلة وضحاها وُجِدت ميتة عام(2004) وقيل انها انتحرت لأن المجتمع لم يتقبل ممثلة وراقصة كانت رجلاً، والبعض أرجح عى انها ماتت بسكتة قلبية.. وإسم حنان الحقيقي هو طارق وكانت تشعر منذ طفولتها انها فتاة وليس شاباً وكل مشاعر الانثى كانت تدغدغ أحاسيسها،وصار طارق يربي شعره ويستعمل المكياج ثم قرر أن يكف عن التحايل على مظههر الخارجي ويواجه الناس والمجتمع ويجري عملية تحويل، فسافر إلى الخارج وعاد انثى بأسم حنان وكات صدمة للجميع!! ودخلت عالم الفن من خلال مسرحية”حكيم عيون”، مع احمد حلمي وعلاء ولي الدين، وبدأت العروضات تتوالى عليها، وكانت سعيدة جداً رغم رفض أسرتها لها لكن الانتقادات ظلت تلاحقها إلى أن ماتت قبل أن تحقق حلمها بأن تصبح نجمة إستعراضية.. ولعل قبل حنان ونور سبقهما إلى عملية التحويل والعمل في الرقص سيد الذي أصبح سالي وأثار ضجة في الوطن العربي.
حكاية سالي أو سيد
سيد كان طفلاً إنطوائياً يجلس وحيداً لا يًشارك اخوته ورفاقه الحديث واللعب، وكان يشعر طوال الوقت بأنه يُعاني شيئاً ما بداخله ورغم ذلك كبر سيد ودخل كلية الطب بناء على رغبة والديه لكنه واجه مشاكل كثيرة حين كان يمشي في الشارع، اذ كان عرضة للتحرش و معالم انوثة كانت تبدو عليه بصورة واضحة، ورغم ذلك رفض أن يكون شاذاً، وقرر أن يجري عملية تحويل وصعقت الأسرة رغم يقينها أن سيد كان يتعذب لأن كل الفحوصات والتحليلات التي خضع لها كانت تُبين انها فتاة والسبب أن والدته وهي حامل به تعرضت لخلل هرموني أصاب الجنين بإضطراب في جنسه.. وبعد العملية أصبح سيد إسمه سالي وطُردت من الجامعة ولكي تُبرهن للجميع انها فتاة وليس مخنثاً أي جنش ثالث عملت في مجال الرقص ثم ما لبثت أن تركت المهنة وتزوجت مرتين وفشلت في بناء اسرة لأن أهل طليقيها كانوا ينفرون منها حين يعلمون انها كانت رجلاً، كما كانت غير قادرة على الأنجاب لأنه ليس لديها رحم، ثم رفضتها جامعة الأزهر في كلية الطب رغم صدور حكم لصالح أحقيتها بمتابعة الدراسة، وهكذا قُضي على حلميها في أن تصبح دكتورة وأُماً لأطفال.. وقصة سالي تم سردها في مسلسل “صرخة أنثى”، الذي قدمته داليا البحيري وأكدت سالي انهم أعتمدوا على قصتها في السياق الرئيسي لحالتها مع اجراء بعض التعديلات لكنهم شوهوا في كثير من الحقائق.