اعداد/حسانة سليم
تفتحت عيناي الطفلة على خالة رائعة، كانت بالنسبة لها بمثابة الأم الحنون وكان وزج خالتها رجلاً فاضلاً، اما أولاد وبنات خالتها فكانوا يكنون لها الحب الصادق، وحينما كبرت شيئا فشيئا أحبت أسرتها أكثر وأكثر وصارت تتعلق بهم اشد تعلقاً..
كانت خالتها وزوجها يداومان على صلاة الفجر،وعلى ايقاظ أبنائهما ليؤدوا الصلاة جماعة،وحرصت الصغيرة على الوقوف معهم وتقليدهم منذ أن كان عمرها خمس سنوات،كما كان زوج خالتها حافظاً للقرآن الكريم، وكان صوته شجياً عذباً، كان بالنسبة اليها رجلاً متدفقاً بالحنان والعطاءلاسيما بمعاملته معها، اذ كان يعتبرها آخر أبناءه، كان يلاعبها ويمازحها قائلاً:” انت يا آخر العنقود سكر معقود”.، وفي الأعياد كانت تزورهم سيدة جميلة أنيقة، تحمل الكثير من الهدايا لها، وكانت تحتضنها وتقبلها فتقول لها الطفلة بعفوية وبرأة:” شكرا ياطنط”، فتضحك وترد:”لا تقولي طنط، قولي يا دودو”..وعندما بلغت الطفلة السابعة من عمرها،علمت أن (دودو) هي أمها، وأن عملها يستغرق كل وقتها لذلك اضطرت أن تتركها عند خالتها، وما ان بلغت الثانيه عشر حزمت أمها حقائبها واصطحبتها إلى بيتها، كان بيتاً فخماً فسيحاً في منطقة المهندسين، وكان لديها جيشاً من الخدم والحرس والمعاونين، والجميع يحيطون بها ويتسابقون لتلبية أوامرها وكأنها ملك متوجة، ورغم كل مظاهر الثراء المحيطة بالصبية الصغيرة، إلا أنها شعرت بالغربة، وكأنها في جزيرة منعزلة بقلب المحيط،علماً ان امها كانت تلاطفها وتدللها في فترات وجودها القليلة بالمنزل، ورغم ذلك ظلت تشعر وهي بين أحضانها أنها في حضن امرأة غريبة عنها، حتى رائحتها لم تكن تلك الرائحة التي كانت تعشقها وهي بين أحضان خالتها، كانت رائحتها مزيجاً من العطور والسغائر ورائحة أخرى غريبة، علمت فيما بعد أنها رائحة الخمر!!
وبعد فترة قصيرة من اقامتها معها سألتها عن نوعية ذلك العمل الذي تمارسه ويشغلها عنه معظم الوقت، فنظرت اليها بتعجب كأنها مخلوقاً قادماً من المريخ وقالت:”ألا تعلمين أني نجمة تمثيل؟ ألم تخبرك خالتك؟” فأجابتها بالنفي، فردت على الفور:” بالطبع لن تخبرك فهي لا ترضى عن عملي، لأنها تعتبره حراما”، واضافت :” الفن الذي أمارسه يخدم رسالة نبيلة، يهذب الوجدان ويسمو بالشعور”، ثم جذبتها من يدها للصالون وقالت : “سأجعلك تشاهدين كل أفلامي”، ووضعت شريطاً فى الفيديو وأدارته. وجلست البنت لتشاهد ولأول مرة فى حياتي فيلما لامها،وكان يتضمن مشاهداً كثيرة لها بالمايوهات الساخنة، وبفساتين النوم الشفافة،ومشاهداً عديدة تحتضن فيها رجلاً وتقبله قبلات مثيرة، لم تكن الصبية الصغيرة، قد شاهدت شيئاً كهذا من قبل، لأن زوج خالتها كان يمارس رقابة شديدة على ما تشاهده اسرته في التلفاز، وكان يأمرهم أحيانا بأقفاله حينما تعرض بعض المشاهد المخلة بالاداب،، ويمنعهم من مشاهدته تماماً حينما تعرض بعض الأفلام، والتي علمت فيما بعد أنها كانت من بطولة أمها!! لم تعرف ماذا تفعل وهي تُشاهد أمها في تلك الأوضاع، كل ما استطاعت القيام به هو الانحناء برأسها والنظر إلى الأرض،أما الام فقد ضحكت على تصرف طفلتها من أعماقها حتى طفرت الدموع من عينيها
وكبرت الصغيرة وبلغت سن الثامنة عشرة من عمرها، وحرجها من مشاهدة افلام أمها لما تتضمنه من مشاهداً ساخنه كان يزداد، ونظرات زملائها لها في المدرسة المشتركة كانت تقتلها في اليوم ألف مرة، اذ كانوا ينظرون اليها كفتاة رخيصة سهلة المنال، رغم أنها لم تكن كذلك ابداً بل بالعكس، فقد كانت حريصة منذ صغرها على آداء فروض دينها وعلى اجتناب مانهى الله عنه، وكانت تشعر بالحزن العميق، وهي ترى امها تشرب الخمر،وتشعر بالأسى اكثرعندما ايقنت انها لا تكاد تعرف عدد ركعات كل صلاة وكل ما تعرفه عن الإسلام الشهادتتن فقط!! أعترضت الابنة،وصارحتها مراراً وتكراراً بأن أسلوبها فى الحياة لا يرضيها، وتوسلت إليها أن تعتزل التمثيل، وأن تبحث عن عمل آخر،فكانت تسخر منها أحياناً، ومرات تتظاهر بالموافقة على طلبها، ومرات كانت تثور عليها وتتهمها بالجحود وتسألها بقسوة:” ماذا تريدين بالضبط ؟ أعاملك كأميرة، لقد اشتريت لك المرسيدس رغم أنك مازلت في الثانوية، كل ثيابك من أوروبا،وكل عام أصطحبك إلى عواصم العالم،باختصار كل أحلامك أوامراً”.. وحينما ترد بالقول من انها تريد ان تراها اي محتشمة كما ترى كل الأمهات، تصيح قائلة :” المشاهد التمثيلية التي لاتروق لك هي التي تكفل لك هذه الحياة الرغدة التي تنعمين بها، والتي تحسدك عليها كل البنات لكنك عمياء لا تبصرين”.. وأمام رغبتها الجامحة للأضواء والشهرة والمال كانت الصبية تضطر إلى أن تبتلع اعتراضها في مرارة!! وحينما اقترب عيد ميلادها العشرون، سألتها والدتها عن الهدية التى تريدها فطلبت زيارة مكان لم تزوره من قبل، فأندهشت الأم وقالت:” وهل هناك مكاناً في العالم لم نزره؟ فردت البنت:” نعم يامامانحن لم نزر مكة المكرمة”، تجمدت الأم للحظات ورددت:” مكة، “؟نظرت الابنة اليها في توسل وقالت :”أرجوك ياماما لبي لي هذا الطلب”، فأبتسمت وقالت:”وهل أستطيع أن أرفض لك طلبا ياحبيبتي ؟.. و كانت رحلتهما إلى الأراضي المقدسة!
(يُتبع )