كتب/ هشام فارس
في زُحمة الأحداث المأساوية التي ألمّت بلبنان في الفترة الأخيرة، لم نعُد نعي كيف ومن أين نتلقّى الضربات المُتتالية التي وقعت كالصاعقة على رؤوس اللبنانيين، بدءاً من إنهيار العملة المحلية، مروراً بإنقطاع التيار الكهربائي المتكرر، وصولاً إلى الغلاء الفاحش على كل المستويات المعيشية، التربوية، والصحية. حتى بات اللبناني يصرفُ ما تبقى من راتبه على الأساسيات فقط، هذا إن توفرت جميعها، أما المصاريف الترفيهية فغابت عنا من دون رجعة، ومن بينها إرتياد دور السينما، حيث تراجعت نسبة الوافدين إلى هذه الأماكن بنسبة لا بأس بها، فحُرم اللبناني حتى ممارسة إحدى هواياته وهي مشاهدة الأفلام السينمائية وخاصة الكوميدية التي كانت تُرفه عنه وتُنسيه البعض من همومه حتى لو لساعة أو إثنين من الوقت.لكن بعيداً عن الكوميديا اليوم يُعرض حالياً في صالات السينما فيلم “يانال” الذي شخصياً لم يجذبني إعلانه أبداً، ولم يتسنَّ لي حضور حفل افتتاحه، لكني صممتُ على مشاهدته لاحقاً طبعاً وهذا ما حصل مؤخراً.
العمل ظُلم إعلانياً وعَكَسَ صورة مختلفة عن مضمونه، صورته التقنية، إنتاجه، وعناصره. بين الإعلان على الشاشة الصغيرة وعرضه على الشاشة الكبيرة قصة من نوعٍٍ آخر، لكنها جميلة تعكسُ الواقع المرير الذي مرّ به وطننا الحبيب ومدى تأثيرها النفسي على المواطنين، لا بل يُقدم عينة عن الشباب الذي أودت به الأحوال إلى حافة الإنتحار في بلد لم يعد لنا فيه خيار سوى الموت البطيء لأجساد هي فعلياً جثثاً لكنها متحركة..فبين يانال (جاد أبو علي) وهايا (ريان حركة) قصة من نوع آخر حفرت بحُبها أوجاعاً كثيرة لتأتي دهب (القديرة ليليان نمري) وتُكمل هذه الثلاثية الجميلة وتُجسد شخصية تربعت في قلوب المشاهدين كما عودتنا دائماً.
القصة بإختصار يانال شاب عشريني يعاني من مرض عُضال يُخبئه خلف قناعه بحجة الكورونا وعملية جراحية سيقوم بها، ويحتاج لمكافحة هذا المرض بشكل من الاشكال لتيار كهربائي دائم، تُغرم به هايا إبنة أحد الوزراء التي يخفي عنها حقيقة مرضه إلى حين قدومه على الانتحار ومن بعدها قصة جديدة تفتحُ آفاقاً واسعة أمام أبطال العمل. القديرة ليليان نمري جسَّدت هذه المرة شخصية حملت في طياتها الكثير من الضحكات والدموع في آن واحد فأضحكت المشاهدين وأبكتهم.
لن أطيل في تفاصيل العمل والقصة والشخصيات، فاسحاً في المجال أمام من لم يرَ هذا العمل بعد بأن يستمتع بتفاصيله، لكن كلمة حق تُقال إلى جانب الهفوات التي من الطبيعي أن ترد في أي عمل، إن كان كتابياً ام اخراجياً، لكن يبقى “ينال” عملاً جميلاً حمل في طياته العديد من الرسائل التي فتحت جروح اللبنانيين، أبكتهم وأضحكتهم في الوقت نفسه، وعالجت آلامهم وواقعهم بطريقة جميلة جدا، واقعية، و مؤثرة. عسى أن يبقَ العمل في المستقبل مُجرد ذكرى لمأساة عاشها اللبنانيين في فترة من الفترات وأن لا يتكرر ينال في داخل ما تبقى من الشباب اللبناني إلا على الشاشات الصغيرة والكبيرة.