الأحد , نوفمبر 24 2024

المخرج يسري نصرلله وتجربته مع يوسف شاهين:”قلت لطلال سلمان أريد أن احاوره، وفي عز تمجيده للناصرية تكلم عن ألم النوبيين”

حوار/ ابتسام غنيم(القاهرة)

هذا الحوار كان متلفزاً اجريته مع المخرج القدير يسري نصرلله عقب وفاة اسطورة الاخراج يوسف شاهين، وتحديداً في مكتب الراحل في وسط البلد بالقاهرة وكانت الحلقة لتلفزيون “هي” اللبناني ببرنامجي ” كايرو سبوتس”، لذا أُعيد نشر هذا اللقاء الشيق الذي تحدث فيه التلميذ يسري عن استاذه شاهين بشفافية ومحبة..

 

يسري نصرلله الاسم الاقرب للمخرج يوسف شاهين ليس لكونه تلميذه فحسب، بل لأن صداقة طويلة جمعتهما أكثر من 25 سنة، تخرّج وخرج من تحت عباءته وحتى بعدما وقّع أعمالاً خاصة به إستمرت الصداقة بينهما أقوى لأن ما يجمعهما هو عشق الابهار والسحر والعالمية..

*كيف تصف علاقتك بيوسف شاهين؟

-كنت أعمل في صحيفة “السفير” اللبنانية حين شاهدت فيلم”اسكندرية ليه؟”، يومها اعتبر الكثيرون ان الفيلم غير جيد بسبب شخصية البنت اليهودية التي تُحب مسلماً وكلاهما من مصر، إستاء البعض بسبب معاهدة كامب دايفيد، وأعتبروا انه اتفاقية السلام، رغم انه كان بعيداً كل البعد عنها، اذ يحكي عن مصر كما عرفناها وكما شاهدناها وعايشها شاهين، حينها كتبت مقالاً نقدياً عنه، وفي الوقت الذي اسيء لمفهوم العمل كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قد شاهده وأشاد به بل واعتبر الهجوم كلاماً تافهاً، من هنا قررت اللقاء بيوسف شاهين وطلبت من الاستاذ طلال سلمان السفر إلى مصر لاجري حواراً معه.. وبالفعل كان لي ما أردت وتعرفت إلى جو عن قرب ولمست مدى صراحته ورأيه وأحاسيسه، وهذا نادراً ما نراه في بعض الناس لا سيما الذين يجيدون المجاملة والتملق، بعدها غادرت إلى لبنان ونشرت الحوار وكنت أنوي ألسفر إلى لندن لدراسة الاخراج، عندها قال لي سمير نصري الذي كان مساعداً لشاهين منذ ايام فيلم”صلاح الدين” انه بأمكاني التدرب عندهم خصوصاً انهم يُحضرون لعمل جديد، كما شجعني على ذلك الفنان أحمد محرز رحمه الله الذي شارك ببطوله “عودة ابن الضال” مع القديرة ماجدة الرومي ومن ثم في”اسكندرية ليه؟” وبعدهما في”سكوت حنصور”.

وياسر عرفات أشاد بفيلم”اسكندرية ليه؟”

*ماذا تعلمت من تلك المرحلة؟

– أموراً كثيرة، اكتشفت مثلاً كيف يتدخل شاهين في التفاصيل الصغيرة وفي كل لقطة وحركة، كيف يُعيد التصوير أكثر من مرة، ويرى ردات فعل المحيطين به، كل ذلك ساعدني وعلمني، لكن اكثر ما بهرني في شخصيته وعبقريته هو ربط الاجيال بين بعضها البعض بالاضافة إلى كرمه في تعليم السينما لغيره من الشباب، فكان يُشارك الناس بحُلمه ويستخرج من كل العاملين معه من موسيقين ومصورين أجمل ما لديهم ويجعلهم يُضيفون من مكنوناتهم، عملت معه كمساعد تحت التمرين في فيلم”حدوته مصرية”، ثم صرت مساعداً أول في فيلم”وداعاً بونابرت” بعدها قدمت فيلماً لي، لأعود واعمل تحت ادارته في(اسكندرية كمان وكمان) وكنت قريباً منه إثناء تصوير”اليوم السادس” للنجمة العالمية داليدا، كان يأخذ كل العاملين معه في مغامرة جديدة ولم يتعامل أو يتكبر على احد ولو مرة، كان همّه السحر ويقول “الشغل بالسينما مش سهل ابداً”،كان يقولها هكذا باللهجة اللبنانية.

أغنية زينة لفريد وشادية جعلها من كلاسيكيات السينما.

*يُقال ان بداية شاهين الحقيقية كانت من”باب حديد”؟

-لا أوافق على هذا الرأي لأن منذ أول أفلامه كانت ملامحه واضحة، كان يقول انه مرّ في فترة سوداء وأضطر اثناءها إلى التوقف عن العمل بسبب تعرضه لبعض الازمات، انا مثلاً أحب فيلمه “سيدة القطار” للمطربة القديرة ليلى مراد، رغم أن الدراما في الفيلم عادية لكن هناك مشهداً جميلاً جداً في الفيلم لحظة ذهاب الأم لترى ابنتها خفية وهي تخرج من المدرسة وتقول للسائق(إعدل شوية .. إرجع ورا.. قدم شوية) وذلك لتتمكن من رؤية طفلتها من شق الباب.. انظري إلى مدى الحرفية في هذه اللقطة، البعض إعتبر الفيلم تقليدياً لكنه في الوقت نفسه عبّر عن وجدانه، المدهش في حياة هذا المخرج انه داخل صناعة مليئة بالخيوط أستطاع أن يبقى وفياً لنفسه حتى بفيلم”المهرج الكبير”، و”نساء بلا رجال” و”بابا امين” و”انت حبيبي”، الذي كان لا يحبه وبعد سنوات عاد وإعترف بقيمة هذا الفيلم، وكيف ان فريد الاطرش كان متضايقاً ووصف وزن الفيلم بـ 14 كيلو، ولكي يزيدوا من ثقله أضافوا عليه أغنية “زينة” التي غناها فريد مع شادية ورقصت على انغامها هند رستم فتحول وزن العمل إلى 22 كلو وأصبحت الأغنية من كلاسيكيات السينما، بأختصار شاهين كان يبحث عن الابهار ولم يعتبر نفسه مرة ضحية.

تحدث عن عيوب الاشتراكية وكان يرفض التبخير

*البعض يرى ان ثلاثية”اسكندرية” و”حدوته مصرية” عبر فيها عن حياته بجرأة دون باقي الافلام؟

-في فيلم “الاختيار” اذا ما استثنينا “باب حديد” حتى آخر اعماله”هي فوضى”، هناك حضور ليوسف شاهين، لا اعرف لماذا يُشدد البعض على كلمة السيرة الذاتية، ربما لانه وضع نفسه في مواقف مؤلمة والبعض اعتبرها نرجسية، لكن جميلاً ان يحول الواحد منا نفسه الى موضوع ويرميه في قصص صعبة وقاسية وطريفة، لقد شاهدنا شاهين الحقيقي في”اسكندرية نيويورك” وايضاً في دور “رام ” بفيلم “المهاجر” الذي يريد ان يتعلم التحنيط، مرة لم يضع نفسه خارج الشخصية التي يقدمها، حتى في دور “سيف” بفيلم “العصفور” حيث القلق والهم  وعلاقته المتلبسة مع والديه والسلطة.

 

 

النقاد أدعوا عدم فهمهم لعودة الابن الضال لانهم خافوا من قول الحقيقة وأن النظام ينهار.

*أعمال شاهين كانت بلا قيد؟

– أكيد، هو حين قدم فيلم “الناس والنيل” ومُنع لانه فيلم مشترك بين مصر وروسيا كان هناك أحد الفرنسيين الذي سرق نسحة منه”70 ملم” وانقذ الفيلم الحقيقي الموجود الآن، هذا العمل نفذه في عز تمجيده الناصرية حيث تكلم عن قسوة والم النوبيين الذين اهملوا ارضهم لبناء السد العالي وكانت النتيجة غرق ارضهم!! وايضاً “فجر يوم جديد” تحدث فيه عن التجربة الاشتراكية وهو مؤمن بها لكن تتخللها مشاكل وعيوب، كان شاهيناً يبحث عن الشيء الذي لا ينسيه انه فرد وليس مجرد جزء من السلطة، يعني في”عودة الابن الضال” تعرض للنظام مباشرة وحين قال النقاد انهم لم يفهموا الفيلم كانوا يكذبون لانهم خائفين من العمل والبوح من ان النظام ينهار.

أختلفت معه بسبب(المدينة) فقال لي انت ابن كذا وكذا فتصالحنا.

*تلاميذ شاهين يتحولون لنجوم هل هذا يعود لهالته ام للصناعة نفسها؟

– لا نستطيع تقليص شاهين كونه عمل افلاماً وقدم ناساً وأسس شركة اصبحت مؤسسة الآن على الساحة السينمائية المصرية مع جان خوري والد غابي ثم علّم ماريان وعلمني ودافع عن صناعته دفاعاً مستميتاً، لم يتعامل مرة مع أحد على انه تلميذ بل على انه ذكي وموهوب، حتى عندما تشاركنا في كتابة”وداعاً بونابرت” كانت هناك مساحة من الاختلاف بيننا وكان يحب ذلك لانه يرفض التبخير

*لكنكما اختلفتما ذات مرة؟

-(يضحك ويقول) كان رائعاً ومهضوماً ومزعجاً والطريف انه حين تفهمين نفسيته تعذرينه، مرة اختلفنا بسبب فيلمي(المدينة) الذي خرج من شركته، يومها لم يقتنع بالمشروع بينما احببت الفيلم فقلت له: “يا جو اريد ان اتعلم من اخطائي.”  فضحك وقال لي:” انت ابن كذا وكذا”..وانتهى الخلاف، كانت امامه مغريات كثيرة من زعماء عرب طلبوا منه تقديم سيرة حياتهم ورفض كما رفض بيع النيغاتيف للافلام الموجودة بشركته، شاهين لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب وأرى اني أكثر حظاً منه كوني قدمت أفلاماً من خلال شركته وتتلمذت على يديه.

كان يحمل دفتر التعذيب ورفض مغريات زعماء العرب

*ماذا عن دفتر التعذيب؟

– كان يحمل دفتراً يسميه “دفتر التعذيب” يكتب عليه مواعيده وماذا عليه أن ينجز كل يوم وحين ينتهي من المهمة يشطب ثم يدوّن من جديد وهكذا.. كان يريد إعتراف العالم به كمخرج وانه توجد سينما مصرية حقيقية، الحالة المصرية كانت همه ويرفض ان يتعامل معه الآخرون كأنداد، كان يتضايق حين يصف البعض افلامه انها ضد العادات والتقاليد ويعتبر ان القمع يدفعهم لقول مثل هذا الكلام متجاهلين انه يريد توسيع  سوقه والذهاب بسينماه إلى العالمية..(يصمت قليلا ويتابع بغصة) رحيله صدمة لي حتى الان، وكثيراً ما انسى انه مات وحين استيقظ صباحاً أقول بيني وبين نفسي سأتصل بيوسف وعلى الفور أتذكر انه رحل، في الحقيقة لم يرحل بل ما زال معنا.

عن admin

شاهد أيضاً

صاحب ” حلو الفن” فرنسوا حلو لامال فقيه:” يطلقون على انفسهم القاب، واغلب اصحاب المدونات لا علاقة لهم بالكتابة والصحافة”

“ما ارتهن ولا يوم لجهة معينة، أو استسلم , وساير الدارج، أسلوبو ماييشبه حدًا حتى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *