الإثنين , نوفمبر 25 2024

الموسيقار الدكتور جمال سلامة:” ست الدنيا باسبوري الى لبنان وهكذا تعاونت مع صباح وسميرة سعيد”

حوار/ ابتسام غنيم(من الارشيف)
صداقة تعود لسنوات طويلة  نجمعني بالملحن الكبير المبدع جميل سلامة، الإسم المحفور في ذاكرة الجمهور العربي بفضل الأعمال الخالدة التي قدّمها.. جمال سلامة عانى من أزمات صحية عديدة وكان في كل مرة يتغلب على اوجاعه ليقف من جديد ويقدّم أحلى الألحان، فمن في العالم العربي لا يعرف أغنياته “ساعات ساعات” للأسطورة صباح، “قال جاني بعد يومين”، “واحكي يا شهرزاد” لسميرة سعيد، “عيناك ليال صيفية و ست الدنيا يا بيروت” لماجدة الرومي. هذا بالإضافة إلى تأليفه الموسيقى التصويرية لأهم الأعمال المصرية والعربية…كل هذه الأعمال جعلت من جمال سلامة إسماً راسخاً في الذاكرة، تلك الذاكرة التي خانته هو شخصياً للأسف، فالمرض أتعبه، وذاكرته باتت لا تسع تاريخه الطويل إلاً أنه لايزال يذكر أن “أغنية ست الدنيا بيروت” كانت جواز سفره الذي كان يدخل به إلى لبنان عبر مطار بيروت، فكان حين يعرّف عن نفسه بأنه ملحن تلك الأغنية يُحمل على الراحات…
زيارتي الأخيرة له قبل اشهر، أحزنتني  على حاله وعلى حال كل مبدع في وطننا العربي، فالأزمة الصحية الأخيرة كانت قاسية عليه وألزمته الفراش ما جعلنا نكرّمه في مهرجان ” الزمن الجميل”، الذي يترأسه الدطتور هراتش سغبزريان، من داخل منزله في القاهرة بسبب تعذر حضوره إلى بيروت لإستلام جائزته. أخيراً إن هذا المبدع وسواه من المبدعين العرب ساهموا في تشكيل أرشيف فني ثقافي عربي لا يستهان به، فهم مفضلون علينا في لحظات فرحنا وحزننا وشوقنا للحبيب أو تغنينا بالأوطان، وجمال سلامة لطالما كان صاحب أيادٍ بيضاء خيرة أعطت دون أن تسأل وساهمت في نجاح وإظهار العديد من المواهب التي أصبحت اليوم نجوماً محلّقة في عالم الفن، وقد حان الوقت ليردوا جميل من ساهم في نجاحهم و وصولهم… جمال سلامة الصديق العزيز و الفنان الكبير، نسأل الله أن يتغمده بفسيح رحمته.. وها نحن نعبد نشر احدى الحوارات التي أجريتها معه فبل رحيله.
*زرت لبنان بعز الحرب؟

-صح كان حرب التحرير التي تزعمها الجنرال ميشال عون الذي صار اليوم رئيساً لجمهورية لبنان، وحينها انجزت اغنية ” ست الدنيا يا بيروت” وغنتها ماجدة الرومي وكتبها نزار قباني، (يضحك ويقول) بالمناسبة “ست الدنيا يا بيروت” لحنتها خلال نصف ساعة فقط وكانت جواز مروري خلال الحرب في لبنان، حيث عندما كنت اقول للمُسلحين انا صاحب لحن “ست الدنيا” فكانوا يسهلون مروري على الفور.. و وتلف الايام ويصبح رئيساً للجمهورية ويزور مصر، اذكر انه كان عندما يبدأ القصف عندكم في لبنان الناس تهرول الى الملاجىء وما ان يتم اعلان وقف اطلاق الناس تعود الحياة الى طبيعتها،وتعودت على جو الحياة وتأقلمت معهم واعتبرها اجمل ايام حياتي.

*حدثني عن طفولتك وعشقك للموسيقى؟

-كان عمري ست سنوات عندما بدأت اعزف على البيانو، والدي كان عازف ترومب بفرقة ام كلثوم، وفاروق عشق الاوكرديون، عشق الفن عندنا وراثة، نحن عائلة موسيقية، ووالدي حافظ سلامة جعلنا نحب الفن وتعلمنا منه وهو شجعنا، لدرجة ان اخي فاروق ترك الممدرسة وصقل عزفة بالاوكرديون وعمل بفرقة ام كلثوم، ووالدي اصر ان اتابع دروسي وانال الدكتوراه ونلتها من موسكو حيث درست هناك، وكنت اول موسيقار ينال الدكتوراه بالوطن العربي.

*عشتم في شارع محمد علي؟

-عشنا في ميدان عابدين، امام قصر الملك فاروق، لكن الفن كله والموسيقى موجودة في شارع محمد علي وكنا نتواجد هناك دائماً وتعلمنا تجارب الموسيقى المصرية من هناك انا وفاروق، وعملنا بشارع محمد علي وبالوقت نفسه درسنا بالمعاهد وسافرت الى ايطاليا واسبانيا وروسيا، ومن هنا خلطت العلم بالخبرة، وانا وهاني مهنا وهاني شنودة وعمر خيرت جيل واحد عملنا سويا لفترات طويلة.

*الحفلة التي اثرت بك بطفولتك او الصوت الذي لامس مشاعرك؟

-عملت مع ام كلثوم وفريد الاطرش وعبد الحليم حافظ، وعبد الوهاب والسنباطي ولم اكن ادرك اهمية هؤلاء الاشخاص لصغر سني اذ كنت بعمر الـ 17 سنة.. اليوم عندما انظر الى صوري معهم احسد نفسي اني تعاملت مع عباقرة بسن صغيرة، اول اورغ دخل الوطن العربي كان من خلالي وعزفت فيه لاغنية ” اقبل الليل” لام كلثوم وتلحين رياض السنباطي، وصدقيني لو كان عزفي سيئاً لما كان يوجد اورغ في مصر، لان ام كلثوم عشقت الاورغ كانت تؤمن بالتطور رحمها الله، والاورغ اليوم صار ملك الموسيقى الشعبية والوان_  مان_ شو، وعملت بالكباريهات وانجزت موسيقى تصويرية، اليوم اتذكر مشوار حياتي ادرك انه لولا ارتباطي بشارع محمد علي لما استطعت ان انجز مسرحية ” شارع محمد علي” لشريهان، وعملت ايضا في ايطاليا وتعلمت عزف الاورغ بطريقتهم، وايضا باللايف- ميوزك، والسيرك، ومع شكوكو واسماعيل ياسين والمنولوجيست من اهم الفنون، كانا من اطيب الاشخاص.

 

*اسماعيل ياسين تعذب بحياته؟

-فعلاً، عندما كبرنا ادركنا مدى التعب الذي قاسيناه لتقديم فن مهم، اذكر انه كان يوجد عمر الجيزاوي وثريا حلمي وشكوكو، وبعد ان تعاملت معهم كانت النقلة مع فريد الاطرش ونجاة وصباح ليقيني لغة الموسيقى التي يتقنها كل فنان، اذ قبل ان اكون ملجناص كنت عازفاً مع كل هؤلاء فتكون عندي المخزون الداخلي وقدمت 12 استعراض للنجمة نجوى فؤاد ثم لدينا، ثم انجزت النقلة بالموسيقى التصويرية لعدم اهتمامهم بالبيانو اذ قلة هم العازفون الشطار بالبيانو، فقدمت ” حبيبي دائماً”، ” العذاب امرأة”، ” اهلا بالعيد”،” الكرنك” افلام نادية الجندي وافلام نبيلة عبيد، “محمد رسول الله” واذكر انه بعد التسجيل قال لي المخرج احمد طنطاوي:” ايه ده يا دكتور انت حاططلي بيانو ده كفر بالاعمال الدينية”، فقلت له:” الم تقل لي ان محمد رسول الله هو كل الانسانية وان تكون الموسيقى للعالم كله وليس لمصر؟ البيانو هو الالة الوحيدة العالمية”، فرفض وضحكت فقلت له :” خلاص ما تاخدهاش”، ثم رضخ للامر الواقع ونجحت الموسيقى وصار يقول للجميع انا الذي شرحت لجمال ان يدخل البيانو بالموسيقى وكنت اضحك انا وياسمين الخيام التي غنت التيتر.(ويتابع) اقول للذين يقولون اين اهمية جمال سلامة انه يكفي اني اشتغلت مع نزار قباني، صلاح جاهين عبد الوهاب محمد، والابنودي.

*ماذا قال لك نزار قباني عن لحن ست الدنيا يا بيروت؟

-هو كان قد كتب نعترف امام الله الواحد، رأيت انه لا يوجد مدخل للاغنية فاضفت ” يا بيروت” فأخبرته ماجدة قبل التسجيل فوافق وسجلنا الاغنية وكسرت الارض، ومرة لحنت لماجدة ” مع الجريدة “، فتوقفت عن كلمة ” ذوبني” فقلت لها لازم نتصل به ليضيف لنا كم كلمة معها، فكلمته واذ به يقول لي “شو جمال بدك كلام زيادة؟” فقلت له :” اريد امام كلمة ذوبني كلمات هيصة زي شخلعني قلعني دلعني” فضحك كثيراً، وفي اليوم الثاني ارسل لي ثلالث اوراق وصارت القصيدة 7 ابيات وقال لي :” والله يا دكتور انا عمري ما غيرت بقصائدي الا مرة مع عبد الحليم ومرة مع نجاة والثالثة معك”، وبعد ان سمعها كتب ان قصيدة ” مع الجريدة” هي قصيدة القرن الواحد والعشرين للدكتور جمال سلامة.

*وماذا عن صلاح جاهين؟

-كان يعتبرني العلم القادم بعدما رحت البعثة الى موسكو وشجعني، لحنت له اغنية ” اغنية اهمه” ولم نكن نعلم انها ستصبح بمثابة النشيد، وايضاً لحنت اغنية الابن الضال ” القدر”.

*لكنها من الحان كمال الطويل؟

-هي مكتوبة باسمه بل من الحاني وكنت لتوها اتياً من موسكو واوزع، وكنا اثناء تصوير الفيلم يذهب كمال الطويل للغداء ويتأخر وخلال هذا الوقت اكون قد انجزت اللحن فيأتي ويثني عليّ، زمان كنا نسكت واقول انه يعطيني الدعم اذ كتب على لحن ” القدر” لحن كمال الطويل توزيع جمال سلامة، لكن فيما بعد عندما ارادت ماجدة التلحين قصدتني فوراً وقدمت معظم الالحان الجميلة التي اشادت بها، من هنا كان لاستاذ كمال الفضل بالتعاون مع السيدة ماجدة.

*والابنودي؟

-سنة 1966 كان ينجز اغاني الراقصات الفنون الشعبية، فقلت له اتمنى ان الحن وكنا جيران، فأتى وكتب اربع ابيات ” ساعات ساعات” ثم بعد اسبوع كتب اربع ابيات اخرى وهكذا، انجزنا الاغنية قبل ان تغنيها الصبوحة بعشر سنوات، بعدها لحنت لعماد عبد الحليم ” المدن” اما اول شريط لجمال سلامة الذي غير الاغنية بالوطن العربي اي قدمت 7 اغاني بالشريط، كل اغنية 6 دقائق، اتى بعدها المخرج احمد يحيى وكان يخرج فيلم ” ليلة بكى فيها القمر” وطلب الاغنية فقلت له شرط ان الحن كل اغاني الفيلم فقال لي سأخذ رأيها، فطلبت ان تسمعني واعجبها اسلوبي واخذت ولحنت كل اغاني الفيلم،وما ان التقيت بها حتى انبهرت بطلتها فرحبت بي وقالت لي ان شقيقي فاروق لحن لها عدة الحان، وما ان بدأت باللحن حتى قالت:” خلاص انا موافقة وانجز لي كل اغاني الفيلم”، واشادت بألحاني.

*ماذا عن سميرة سعيد؟

-كانت صغيرة وقال لي مهندس صوت ان اسمع صوتها فلفتني جدا، وبعد كم شهر طلب مني المخرج عبد  العزيز سكري ان الحن اغنية لصوت جديد لمسلسل ” احكي يا شهرزاد”، تذكرت سميرة على الفور وبحثت عنها، وقالت لي انها تنجز شريطاً مع بليغ حمدي وانها ستسافر بعد يومين، فقلت لها ان بحوزتي اغنية صغيرة واحفظتها الاغنية وسجلتها وسافرت من دون ان تأخذ اذن من الشركة المتعاقدة معها، وعندما ذهبت الى رئيسة التلفزيون صرخت وقالت لماذا استقدمت صوتاً من المغرب وليس من مصر، فقلت لها ان مسلسل الف ليلة وليلة عملاً تاريخياً وليس حكراً على مصر، فقالت لي استقدم نادية مصطفى فقلت لها حاضر، وبالفعل ذهبت الى نادية وسمعت الاعنية وسجلت الاغنية واسمعتها لرئيسة التلفزيون فصرفت لي فلوسي، وما ان اخذت المال حتى ذهبت الى عبد العزيز السكري واعطيته شريط سميرة سعيد واخبرته ما حصل كاملة، وسافرت وعرض العمل ونجح لحن شهرزاد ولمع نجم سميرة سعيد، واذ بالشركة المنتجة خاصتها تطلب مني ان تضع ” احكي يا شهرزاد” في شريط سميرة الذي لحنه بليغ حمدي فرفضت وقلت له انا انجز لها شريطاً كاملاً لوحدي، فوافق ولحنت 8 اغنيات من ضمنها ” وحشني بصحيح” و” قال جاني بعد يومين”، فأستاء المنتج وزعل ورفض ان يأخذ الشريط لانه يريد اغاني طويلة وليس مدتها 6 دقائق، عندها غادرت مكتبه وتركت الشريط وقلت له اتصرف، فأضطر ان يصدر الشريط بالسوق فكسر الارض فأتى اليّ وصالحني واعطاني فلوس لانجز شريط ثاني لسميرة وتقاضيت 15 الف جنية وبع اسبوع مات.. وعندما كنت بالجنازة قلت لابنته دوريس والدك اعطاني عربون شريط فقالت لي ان لديها مطربة جديدة اسمها لطيفة من تونس، وانجزنا لها الاغاني، وكانت اول مرة تدخل فيها لطيفة الاستديو وانبهرت بالالحان وشكرتني وقالت لي “عمري ما حسيبك”، واذ بها تنجز الشريط الثاني مع عمار الشريعي لكننا بقينا اصدقاء وتعاونا مراراً.

*كيف علاقتك بشقيقك فاروق؟

– هذا الاستديو كان بيتنا من الاساس، كانت والدتي تجلس معنا فيعزف فاروق ” سلامتها ام حسن ” فتسعد امي بالحانه، وعندما اعزف لها ” قال جاني بعد يومين ” تكتئب وتعترض، فاروق موهبته اكثر مني لكن انا الدراسة ساعدتني لانجز الحاناً اكثر بالافلام، فاروق قدم شعبيات جميلة لكن الاذاعة لم تكن تعتمدها، وتغير الزمن وقدم ” نعمة النسيان ” رغم ان عبد الوهاب منعه ان يلحن لها، لكنه عارضه وانجز لها الاغنية وكسرت الدنيا، وقدم لصباح ” اه يا معلم”.. فاروق يكبرني بخمس سنوات وكان يعمل قبلي ومعه حسن ابو السعود رحمه الله.

*وغيتار عمر خورشيد؟

-كان صديقي ومكتبه قربي، وكان عزفه رائعاً وانا وهو جعلنا البيانو والغيتار ” يحكوا عربي” لكن للامانة اخي فاروق خارق الموهبة، واذكر اننا مرة كنت انا وهو ووالدي سويا واتت ام كلثوم فقالت له :” ازاي يا حافظ انت جايب الولدين دول واحد غربي وواحد شعبي”، والدي من مؤسسي النقابة وكان فخوراً بنا.

*تعاونت مع صفاء ابو السعود؟

-قعلاً باغنية ” اهلاً بالعيد” التي احبها الصغار والكبار على السواء، وعلى فكرة كان زميلتي بالكونسرفتوار واشهر من غنت للاطفال والاغنية حتى اليوم وكأنها وليدة الساعة وصورها حينها شكري ابو عميرة بالشارع مع الاطفال والحنطور وكان اول فيديو كليب واغنية الاطفال بالعيد لكل اطفال العالم العربي.

*كرمك السادات؟

-انجزت اوبرا بالية ” عيون بهية” وعندما حضر العرض السادات سأل عمن انجز العمل فقالوا له دكتور فاروق سلامة فكرمني، بفيللا كبير الشعراء احمد شوقي وكان معي فاتن حمامة ومحمود ياسين، وكان السادات رحمه الله يحبني جداً ويعتبرني علم المستقبل لانه يحب ويؤمن بالفنوان، وانجزت لانتصارات حرب اكتوبر ” مصر اليوم بعيد” لشادية،  ولو كان السادات حياً اليوم لصنع لي تمثال لان كل الاغاني الثورية كانت مارش عسكري، بل اغاني الوطنية كانت فيها البهجة وبلغة العصر وعددها 50 لحن.

*موسيقاك التصويرية مميزة؟

-لاني افصلها عن الفيلم وبامكانك سماعها من دون مشاهدة الفيلم مثل ” حبيبي دائما” ، توته توته لفيلم ” افواه وارانب” ،” النمر الاسود”، “ليلة القبض على فاطمة”، وغيرها وكنت السباق بانتصار موسيقى التصويرية على الفيلم حتى فاتن حمامة قالت لي انت ملك التنوع بالالحان.

*علاقتك بملحنين لبنان؟

-رائعة ويحبونني وخصوصا الرحابنة الياس حبيبي وايلي شويري محترم واحسان المنذر شخصية محترمة وصديقي جدا وكان دائما معي ايام الحرب وايضا عبده منذر، وكنت احب الحان ملحم بركات، ولما غيرت ماجدة باغنية ” يا نبع المحبة” التي انجزها لها اخي احسان اضفت لها كوبلية الآذان، ومن الجيل الثاني احب زياد الرحباني جداً.

شاهد أيضاً

صاحب ” حلو الفن” فرنسوا حلو لامال فقيه:” يطلقون على انفسهم القاب، واغلب اصحاب المدونات لا علاقة لهم بالكتابة والصحافة”

“ما ارتهن ولا يوم لجهة معينة، أو استسلم , وساير الدارج، أسلوبو ماييشبه حدًا حتى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *